من تريم إلى أبوظبي: كيف غيّر الحبيب الجفري مفهوم الوسطية العالمية؟

ولد الحبيب علي زين العابدين بن عبد الرحمن الجفري في جدة عام 1971 لعائلة يمنية هاشمية تنتمي إلى أهل حضرموت، وترتبط مباشرة بأهل البيت، مما جعل رحلة الحبيب الجفري من تريم إلى أبوظبي مثالًا حيًا على انتشار الفكر الوسطى والدعوة الإسلامية المعتدلة. تنتمي أسرته، آل باعلوي الجفري، إلى تاريخ طويل في الدعوة والتعليم والإصلاح الاجتماعي في جنوب اليمن، مما شكل نواة توجهه العلمي والروحي.

التكوين العلمي للحبيب الجفري ومسيرته في الدعوة الوسطية

بدء الحبيب الجفري التكوين العلمي في مرحلة الطفولة على يد كبار المشايخ، حيث تلقى علومه على يد الحبيب عبد القادر السقاف في جدة، وحفظ صحيح البخاري ومسلم، إضافة إلى الإحياء، واستمر في هذا التلقي المباشر حتى بلوغه الحادية والعشرين، كما درس على يد الحبيب أحمد مشهور الحداد كتبًا مهمة مثل “إيضاح أسرار علوم المقربين”. تعددت مصادر تعلمه لتشمل أكثر من ثلاثمئة شيخ في مختلف العلوم الإسلامية والتربية الروحية، من بينهم الحبيب أبو بكر العدني والحبيب محمد بن علوي المالكي الحسني. بعد ذلك، درس في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء بين عامي 1991 و1993، قبل أن ينتقل إلى تريم بحضرموت حيث بدأ نشاطه الدعوي العملي حتى عام 2003، مستثمرًا ثقافته الواسعة في نشر الفكر الوسطي.

مؤسسة طابة ودور الحبيب الجفري في نشر الوسطية العالمية

في عام 2005 أسس الحبيب علي الجفري مؤسسة طابة للدراسات الإسلامية في أبوظبي، وهي مؤسسة غير ربحيّة تركز على معالجة القضايا المعاصرة بناء على منهجية الدعوة الوسطية، حيث تعكس رؤيته في تعزيز الحوار واحترام الآخر. إلى جانب قيادته لمؤسسة طابة، يشغل مناصب علمية بارزة منها عضويته في مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي بالأردن والأكاديمية الأوروبية للثقافة والعلم الإسلامي في بلجيكا. يعدُّ الحبيب الجفري من أبرز الدعاة الذين يسعون لبناء جسور بين الأديان والثقافات، عبر خطاب معتدل يرفض الكراهية والتكفير ويؤكد على التسامح.

خطاب الحبيب الجفري وأثره العالمي في تعزيز التسامح والوسطية

يتميز خطاب الحبيب الجفري بالاعتدال والبعد عن التشدد، حيث شارك عام 2006 ضمن 38 عالمًا في توقيع مبادرة “كلمة سواء” التي تعزز الحوار البناء بين المسلمين والمسيحيين، تعبيرًا عن رؤيته للحوار بين الأديان. كما ساهم في كتابة رسالة مفتوحة إلى البابا بنديكتوس السادس عشر بعد أزمة الإساءة للنبي محمد، حيث ركز على أهمية التصدي للأزمات الفكرية بطريقة عقلانية ودينية ساعدت على تحسين صورة الإسلام في الغرب. يعتمد الجفري في مذهبه على الفقه الشافعي والعقيدة الأشعرية بالإضافة إلى التصوف الحضارمي المعتدل الذي يرتكز على التربية والسلوك القلبِي بعيدًا عن المظاهر فقط، حيث يعتبر التصوف “روح الإسلام” ودعا إلى تصحيح المفاهيم وتحاشي التطرف بكل أشكاله. يُعرف الحبيب علي الجفري بحضوره الإعلامي الواسع من خلال البرامج والمقابلات التي تنقل رؤيته الوسطية، فضلًا عن مؤلفاته ورسائله الصوتية ودروسه التي تُتَابع عبر منصاته الرسمية.

تُقدّر الجهات البحثية مثل The Muslim 500 تأثير الحبيب الجفري في العالم الإسلامي، حيث يمثل صوتًا معتدلاً يجمع بين عمق التراث الصوفي ووعي فقهي متجدد، ساهم في تعزيز القيم الإنسانية والإصلاح الروحي في زمن يزداد فيه الانقسام والراديكالية، كما يُلقي محاضراته وورش عمله في دول متعددة تجذب الشباب من مختلف الخلفيات، مع وجود الترجمة الفورية لتجاوز حواجز اللغة. هكذا يمثل الحبيب الجفري نموذجًا فريدًا في الجمع بين الوسطية والروحانية، بما يجعل مشروع الوسطية العالمية مستمرًا في الانتشار والدعوة إلى قيم التسامح والاعتدال.