المستثمرون الأوروبيون في الأسهم الأمريكية يواجهون ضربة مزدوجة هذا العام، إذ أدى تراجع الدولار إلى تضخيم الخسائر الناتجة عن انخفاض الأسهم، منهياً بذلك ما يُعرف بـ”الدورة الفاضلة” التي جمعت بين مكاسب الأسهم والعملات خلال فترة الأداء القوي الأخيرة في وول ستريت.

تراجع مؤشرات الأسهم الأمريكية خلال عام 2025 خالف توقعات واسعة النطاق كانت تشير إلى استمرار تفوق الأسواق الأمريكية. ومع ذلك، فإن الانخفاض المتزامن في قيمة الدولار جعل الخسائر أكثر فداحة بالنسبة للمستثمرين الأجانب، حيث لم يعد بالإمكان الاعتماد على ارتفاع قيمة العملة لتعويض بعض من تراجع قيمة الأصول.

فمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” تراجع بنحو 4% منذ بداية العام الجاري عند قياسه بالدولار، إلا أن التراجع يصل إلى أكثر من 8% عند تحويله إلى اليورو. وهذا التحول أوقف النمط الذي شهد فيه المستثمرون الأوروبيون عوائد إيجابية بسبب ارتفاع الدولار، ما شجعهم على ضخ المزيد من الاستثمارات في الأسهم الأمريكية دون تحوط ضد تقلبات العملة.

على مدى العقدين الماضيين، كان الدولار يحقق مكاسب ملحوظة أمام العملات الرئيسية الأخرى، وكان آخر موجة قوة له في نهاية العام الماضي. لكن هذا الاتجاه بدأ يتغير مؤخرًا.

وقال بيتر أوبنهايمر، كبير استراتيجيي الأسهم العالمية في بنك “غولدمان ساكس”: “لقد اعتدنا لفترة طويلة على دورة إيجابية بين الأسهم الأمريكية والدولار، والآن بدأت تلك الدورة بالانكسار”. وأضاف: “تراجع السوق الأمريكية بات أكثر تأثيرًا الآن، لأن الدولار نفسه يتراجع، ما يضاعف حجم الخسارة عند تحويلها إلى عملات أخرى”.

في الربع الأخير من عام 2024، ساهمت حالة التفاؤل بشأن قطاع التكنولوجيا وتوقعات الأرباح المدفوعة بوعود دونالد ترامب بخفض الضرائب، في دفع الأسهم الأمريكية إلى مستويات قياسية. حينها، ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 2% بالدولار، لكنه حقق مكاسب تقارب 10% عند احتسابه باليورو.

لكن مع بداية 2025، تراجعت قيمة الدولار بشكل ملحوظ، في ظل تغيّر نظرة المستثمرين تجاه السياسات الاقتصادية الحمائية التي يروج لها ترامب. في السابق، كانت التوقعات تشير إلى أن فرض رسوم جمركية مرتفعة سيدفع نحو ارتفاع التضخم الأمريكي ويؤثر سلبًا على النمو في مناطق أخرى، ما يدعم الدولار ويضعف اليورو.

منذ منتصف يناير، بدأ الدولار في التراجع، في وقت يتزايد فيه القلق بشأن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، مقابل تفاؤل متصاعد في أوروبا بفضل التزامات متزايدة بزيادة الإنفاق الدفاعي.

بعض المحللين يرون أن هناك تغيرًا أعمق في الطريقة التي يُنظر بها إلى الأصول المقومة بالدولار. فعلى مدار سنوات، كان الدولار يُعتبر ملاذًا آمنًا في أوقات الأزمات، مما شجع المستثمرين الأجانب على دخول سوق الأسهم الأمريكية دون الحاجة إلى التحوط من مخاطر تقلبات العملة، باعتبار أن الدولار نفسه كان يؤدي دور “ممتص الصدمات”.

وقال جورج سارافيلوس، محلل في “دويتشه بنك”: “الخصائص التي كانت تقلل من المخاطر في الانكشاف غير المحوط على الدولار لعبت دورًا كبيرًا في استراتيجيات توزيع الأصول خلال العقد الماضي”، لكنه أضاف أن هذا الاتجاه “بدأ يتغير الآن”.

ويُشير سارافيلوس إلى أن موجة البيع الحالية في السوق الأمريكية أدت إلى خسائر مشابهة لتلك التي تعرض لها المستثمرون الأوروبيون خلال انهيار وول ستريت في 2022، رغم أن الانخفاض هذه المرة ليس بالحجم نفسه، والسبب يعود إلى تغير العلاقة بين الدولار والأسهم.

وفي حال استمرار “انفصال الارتباط” بين تحركات الأسهم والدولار، فقد يتردد المستثمرون الأوروبيون في زيادة مراكزهم في الأسهم الأمريكية دون تحوطات من تقلبات العملة، وفقًا لسارافيلوس.

ويبدو أن هذا التحول قد بدأ بالفعل. فبحسب مسح أجرته “بنك أوف أمريكا” هذا الشهر، فإن أكثر من 20% من مديري الصناديق الأوروبيين صرحوا بأنهم خفّضوا انكشافهم على الأسهم الأمريكية، وهي أعلى نسبة منذ منتصف عام 2023.

ويُحذر خبراء من أن خروجًا أوروبيًا أوسع قد يزيد من الضغط على الأسواق الأمريكية، التي دخلت بالفعل منطقة التصحيح في وقت سابق من هذا الشهر.

وفي مذكرة حديثة، قال تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين في مجموعة “أبولو”: “المخاطر السلبية التي تواجه مؤشر S&P 500 نتيجة بيع المستثمرين الأجانب لأسهمهم كبيرة”، مشيرًا إلى أن المستثمرين الأجانب كانوا قد كوّنوا مراكز ضخمة في السوق الأمريكية خلال الفترة الماضية.