التنين والنسر يلتقيان في أعماق الصحراء الليبية

التنين والنسر يلتقيان في أعماق الصحراء الليبية
التنين والنسر يلتقيان في أعماق الصحراء الليبية

بين زحام العاصمة المصرية القاهرة، تحديدًا في قاعات الاجتماعات المكيّفة، اجتمعت وفود كل من مصر والجزائر وتونس للحديث عن مستقبل ليبيا، البلد الذي يعيش على نيران الأزمات السياسية والاقتصادية. وبالرغم من أن النقاشات تزينت بالكلمات الدبلوماسية المثالية، إلا أن هذا الاجتماع كان انعكاسًا لصراع خفي على النفوذ والمصالح بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، حيث تحتدم النقاشات على حساب الشعب الليبي المغيب في زوايا هذا الصراع.

مصير ليبيا بين مصر وفرنسا

عندما يتعلق الأمر بمصير ليبيا، تنبثق مصر كواحدة من القوى المؤثرة في المشهد، حيث تحاول القاهرة التحكم في المعادلة السياسية الليبية لتحقيق أهداف استراتيجية، مثل تأمين حدودها الغربية وحماية مصالحها في الشرق الليبي المزدهر بالثروات النفطية. هذا التنسيق بين مصر وحفتر يؤكد رغبتها في استقرار الأوضاع بما يخدم مصالحها أولًا. من جهة أخرى، تسعى فرنسا إلى تعزيز نفوذها في شرق ليبيا أيضًا، كما تُظهر الزيارات المتكررة والتعاون المكثف بينها وبين مصر.
أما المشهد الفرنسي-المصري فلم يقتصر على كلمات دبلوماسية، بل امتد ليشمل تحركات على الأرض، مثل المكالمات مع واشنطن للحصول على دعم دولي، وطرح خطط تستهدف تشكيل حكومة جديدة تُدار من وراء الكواليس، مما يعيد صياغة سلطة ليبيا بناءً على تحالف مصالح بين البلدين.

الجزائر: دعم المسار الأممي لحل مصير ليبيا

بينما تتحرك مصر وفرنسا في اتجاه مصالحهما، تظهر الجزائر كلاعب مختلف يحمل رؤية مغايرة تمامًا بشأن مصير ليبيا، إذ تؤكد الجزائر دعمها للبعثة الأممية وتريد أن تعتمد الحلول التي تنبع من الداخل الليبي تحت إشراف أممي. ترى الحكومة الجزائرية أن استقرار الحدود الجنوبية أهم أولوياتها، ويمكن تحقيق ذلك من خلال استمرار الحكومة الحالية بقيادة الدبيبة مع إدخال تعديلات بسيطة تخدم التوازن المطلوب. هذه الرؤية، وإن بدت شرعية، إلا أنها تعكس مصلحة استراتيجية تسعى الجزائر لتحقيقها وفق رؤيتها الخاصة.

دور تونس في صياغة المستقبل الليبي

تلعب تونس دورًا محدودًا في تغيير مصير ليبيا مقارنة بجاريها مصر والجزائر، فعلى الرغم من مشاركتها الدبلوماسية، إلا أن مواقفها غالبًا ما تكون منسجمة مع الطرح الجزائري الداعم للحلول الأممية. تواجه تونس تحديات جمة بسبب قربها من الحدود الليبية، وتحاول حماية أمنها واستقرارها من خلال التنسيق الإقليمي الدقيق. وبرغم حيادها النسبي، إلا أنها تجد نفسها مضطرة لأن تنخرط في الجهود لضمان عدم امتداد تداعيات الأزمة الليبية إلى أراضيها.

صراع الإقليمين والدوليين على مصير ليبيا

الاجتماع الأخير في القاهرة لم يكن صدفة أو محاولة لإحياء فكرة “دول الجوار الليبي”، بل هو جزء من صراع معقد تتداخل فيه أياد إقليمية ودولية. المحور الأول المؤيد لتشكيل حكومة ليبية جديدة يتكون من مصر وفرنسا، حيث يسعيان لفرض رؤية تخدم أجنداتهما السياسية والاستراتيجية. في المقابل، نجد المحور الآخر بقيادة الجزائر مع دعم قوي من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وهو يسعى لتعزيز دور البعثة الأممية ومحاربة الحلول المفروضة بالقوة. مع استمرار هذا السباق، يظل مصير ليبيا معقدًا وغارقًا في تناقضات المصالح الإقليمية والدولية.

الشعب الليبي بين الأطراف المتصارعة

أمام كل هذه التحديات، يبقى الشعب الليبي على الهامش، وهو الخاسر الأكبر في صراعات القوى الكبرى والإقليمية. بالرغم من المناقشات المستمرة والمبادرات الدبلوماسية المتكررة، ما زالت ليبيا تعاني من غياب الحلول الحقيقية التي تحقق الاستقرار والتنمية. وبينما تسلط الدول الكبرى جهودها على لعب الشطرنج السياسي، يبقى صوت المواطن الليبي البسيط غائبًا وسط طموحات لا تمثله ولا تحقق آماله.