«السياسة الأمريكية» في الشرق الأوسط.. هل تظل الثوابت صامدة أمام المتغيرات؟

«السياسة الأمريكية» في الشرق الأوسط.. هل تظل الثوابت صامدة أمام المتغيرات؟
«السياسة الأمريكية» في الشرق الأوسط.. هل تظل الثوابت صامدة أمام المتغيرات؟

السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تعد واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا وديناميكية في العلاقات الدولية، حيث تعتمد على مجموعة من الثوابت والمتغيرات التي تتفاوت بحسب المصالح الاستراتيجية لكل مرحلة. منذ بداية القرن العشرين، ومرورًا بالحربين العالميتين، ثم الحرب الباردة، وصولًا إلى الأزمات الراهنة التي تعصف بالمنطقة، شكّلت الولايات المتحدة حضورًا دائمًا في الشرق الأوسط.

السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: جذورها التاريخية

بدأت العلاقة بين الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط منذ أوائل القرن العشرين، مستندةً إلى عدة اعتبارات مثل تأمين مصادر الطاقة وتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي. لعبت الاكتشافات النفطية في ثلاثينيات القرن الماضي دورًا محوريًا في تلك العلاقة، خاصة مع إنشاء المملكة العربية السعودية. كما شهدت تلك الفترة تقاربًا أمريكيًا ملحوظًا مع دول رئيسية مثل مصر والسعودية، تجسد في الأحداث السياسية الكبرى مثل “اتفاقية كوينسي” عام 1945 بين الملك عبد العزيز والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، التي ركزت على بناء شراكة استراتيجية بين الطرفين، تمتد آثارها حتى اليوم.

التوترات الإقليمية والدفع نحو أيديولوجيات متبادلة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ساهمت في صياغة معادلات جديدة للسياسة الأمريكية، التي تركزت حول احتواء النفوذ الشيوعي في الشرق الأوسط عبر التحالفات العسكرية والدبلوماسية.

العوامل الحاكمة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط

تعتمد الولايات المتحدة في سياساتها تجاه الشرق الأوسط على عوامل رئيسية تمثل ثوابت للوجود الأمريكي في المنطقة. أولًا، تأمين مصادر الطاقة باعتبار أن هذه المنطقة تحتضن أهم احتياطات النفط في العالم، مما يجعلها محط اهتمام القوى العظمى. تشير مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى ارتباط الأمن الاقتصادي العالمي بموقع الخليج العربي ومخزونه النفطي. علاوةً على ذلك، تحتل إسرائيل موقعًا مركزيًا في اهتمام السياسة الأمريكية، حيث تُعتبر ضمانة لاستقرار المصالح الأمريكية في المنطقة. دعم واشنطن المستمر لإسرائيل في الحروب العربية-الإسرائيلية شكل أحد أبرز ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية.

هناك أيضًا قضايا تضاعف من صعوبة هذه السياسة، مثل مكافحة الإرهاب الذي برز بقوة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مما دفع واشنطن إلى زيادة انتشارها الأمني والعسكري في المنطقة. أطلق ذلك تعاونًا مكثفًا مع دول المنطقة سواء لدعم الحلفاء أو التصدي للتهديدات الناتجة عن المنظمات الإرهابية.

التحولات الجديدة بعد 7 أكتوبر

أحداث السابع من أكتوبر 2023 شكلت نقطة تحول في رؤية أمريكا للملف الشرق أوسطي. برز التوتر بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، مما أثار قلقًا أمريكيًا حيال اتساع الصراع۔ كذلك هناك جهود عديدة بقيادة دول مثل السعودية لإيجاد حلول قوامها العدل والاستقرار عبر مبادرات سلام شاملة، وأبرزها مشروع “حل الدولتين”، إضافةً إلى محاولات جديدة للتطبيع بين إسرائيل ودول عربية أخرى.

تزامنت تلك التحولات مع تعزيز الصين لوجودها الاقتصادي والسياسي في المنطقة، مما دفع الولايات المتحدة لإعادة تقييم سياساتها بشكل تتوازن فيه مصالحها مع مستجدات العالم الجديد. تؤكد هذه التغيرات أن القرن الحالي سيشهد أدوارًا جديدة وفاعلين متعددين، قد يغيرون من قواعد اللعبة السياسية.

إن السياسة الأمريكية اليوم تمثل مزيجًا معقدًا من الثوابت القديمة والتغيرات الحديثة التي ترسم خارطة المستقبل للمنطقة، وتعكس حالة الصراع بين الحفاظ على النفوذ ومواجهة التحديات الصاعدة.