«بينهما لغز» الولاية عند الصوفيّة والشّيعة كيف تختلف وتتشابه فكرياً؟

الولاية من المفاهيم التي تتفاوت في معانيها باختلاف السياقات بين الصوفية والشيعة، وتنتقل بين البُعد الروحي والسياسي، ما يجعل فهمها رحلة فريدة مليئة بالطبقات المتعددة. حين نبحر في عالم الصوفية، نلمس للولاية بعداً روحياً يشبه التجربة الداخلية العميقة التي يرتقي بها الولي إلى مراتب عليا من الاتصال بالله، أما عند الشيعة فالولاية تحمل معنى التشريع والسيطرة في الشأن الديني والسياسي، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأهل البيت وأئمتهم المعصومين المكرمين.

الولاية عند الصوفية: رحلة الروح نحو الجذب

عند الصوفية، الولاية ليست مجرد لقب بل مرتبة روحية تتشكل من مجاهدة النفس وملازمة الذكر والتقوى، لتصل إلى حالة تُسمى “الجذب”، التي تعني تحرر الولي من مصاعب الدنيا وهبات الروحانية العالية، وأصحاب هذه المرتبة يُعرفون بالمجاذيب الذين قد يظهرون لهم كرامات يُتبرك بها الناس، وقد تكون هذه الكرامات ملموسة أو مستترة. وتتميز شخصية الولي بالمحافظة على صفات متعددة مثل كونه “مؤيداً” من الله وذو كرامة، فضلاً عن كونه مشفعاً ومدعوماً بحفظ إلهي يشبه في بعض جوانبه مفهوم العصمة. يتفاوت تقدير مفهوم الحفظ من مدرسة صوفية إلى أخرى، أما قمة الولاية فتتجسد في مشاهدات روحية تكاد تصل إلى التفاني الكامل في الذات الإلهية، كما تحدث عنها كبار المتصوفة كابن عربي والحلاج. تعكس الولاية هنا جانباً روحياً نبيلًا يبتعد عن التفاصيل السياسية التي يمكن أن تحرف المعنى.

الولاية في الفكر الشيعي: تكوين وإدارة بالغ المواضيع

الولاية في صيغة الشيعة تحيط بحقوق الأئمة المعصومين ودورهم في حفظ الكون وإدارة شؤونه، حيث يقسمون الولاية إلى ثلاثة أبعاد: تكوينية، تشريعية، وسياسية، ويُعتبر البُعد التكويني حصراً لله تعالى أو بتفويض محدود من الله لأوليائه، أما الولاية التشريعية والسياسية فهي ميزات معنوية وروحية تقع في يد الأئمة الذين يحكمون بالحق ويقودون الأمة. تؤكد المدرسة الشيعية أن هذه الولاية لا تنسحب إلا على أهل البيت وأنها حق أصيل خاص بهم، بحيث يصبح الطاعون لهم واجباً بمجرد بلوغ الحجة. هذا المفهوم يضفي على الولاية بعدها السياسي والديني، ويخلف في داخله تداخلاً بين السلطة الروحية والقيادة الدنيوية.

ولاية الفقيه: النيابة والتدبير في غيبة الإمام

توضح ولاية الفقيه أن القيادة الدينية والدنيوية بيد الفقيه الجامع للشروط، حيث يعمل كنيابة عامة عن الإمام المعصوم في زمن الغيبة لتولي شؤون الأمة، هذه الفكرة تعتمد على تفسير دور الفقيه في تطبيق الشريعة وإدارة الدولة الإسلامية بالإجمال. وصف الخميني الولاية بأنها تعني حكم الناس وتنظيم أمورهم وفق أحكام الدين، وتختلف درجات ولايات الفقهاء تبعاً لشروطهم ونفوذهم، والاستناد دوماً إلى الإمام المعصوم كنائب أعلى. هذا الترتيب يعكس تصميماً دينياً وسياسياً واضحاً يربط بين السلطة المقدسة والسلطة السياسية، ويوجد في الكتب المرجعية مثل “الحكومة الإسلامية” تفاصيل كثيرة حول آليات الولاية وكيف تحدد صلاحيات الفقيه والخلافة.

• الخطوات الأساسية لفهم الولاية عند الصوفية: مجاهدة النفس، تحقيق الجذب، التمتع بالكرامات، الحصول على الحفظ الروحي، بلوغ المشاهدة.
• الأبعاد الثلاثة للولاية عند الشيعة: التكوينية (خاصة بالله)، التشريعية (لأهل البيت)، والسياسية (حكومة الأمة والدولة).
• شروط ولاية الفقيه: جامع للشروط الدينية، نائب عن الإمام المعصوم، قادر على قيادة الأمة وتنظيم الشريعة.

يبدو أن مفهوم الولاية يجعلنا نفكر في الكثير من التفاصيل الدقيقة التي تبني علاقة الإنسان بخالقه وتحدد دوره في هذا العالم، وتتعدد التصورات بين رحلة الروح ونظام الحكم، وبينهما ثمة تداخلات أحياناً توضح طبيعة العلاقة بين السياسي والديني في بعض الفِكر الإسلامي، وهو ما يمهد لفهم أعمق عن كيف تتشكل قيادة الأفراد والمجتمعات عبر هذه المفاهيم.