«تحديثات جديدة» البجوقي يقدم “طبول الوادي” للروائي الرحبي بما يلفت الانتباه الأدبي

أثناء زيارتي لعُمان تعرفتُ على الروائي العماني محمود الرحبي، اللقاء جاء عن طريق الصدفة عندما أوصاني صديقي المغربي بالاتصال به، وصفه لي كشخصية أدبية متميزة، كانت هذه الزيارة فرصة قيّمة للتعرف على رحبي، حيث اتضح أنه ليس فقط كاتباً وروائياً، بل هو إنسان متعدد المواهب والمعارف، أهداني بعض أعماله، وأبرزها رواية “طبول الوادي”، التي أخذتني إلى أعماق المجتمع العماني وقضايا الإنسان، حيث شعرت بأنني أتقرب من عناصر الحرية والوجود والربط بالمنفى.

الحرية في رواية طبول الوادي

تعتبر الحرية هي المحور الأساسي في رواية “طبول الوادي” للكاتب العماني محمود الرحبي، حيث تمتد هذه الفكرة في النصّ من خلال شخصية البطل سالم الذي يهرب من قيود القرية إلى أفق المدينة، الروائي يُظهر الحرية كقيمة وجودية تشع في جميع تفاصيل الرواية، بدءاً من السيجارة الأولى وحتى خيارات المصير بعد وفاة الأب، بالإضافة إلى التجديد الأسلوبي المتمثل في دمج العربية الفصحى مع اللهجات المحلية واللغات الأجنبية، يعكس هذا الانتقال ديناميكية الشكل الروائي وتعابيره.

مقارنة بين القرية والمدينة

تقدم رواية “طبول الوادي” فكرة ثنائية الحياة التي تتمثل في مواجهة بين القرية والمدينة، حيث تتجسد القيود في وادي السحتن والتوجه نحو التحرر في وادي عدي، هذه الثنائية تعبر عن حرية نسبية ووجهات نظر مختلفة حول السعادة والانتماء، رحبي يعرض هذه الفكرة من خلال تبادل الشخصيات للمواقع والأدوار، ويقدم نقداً اجتماعياً حول التحوّلات الثقافية التي يشهدها المجتمع العماني، مظهراً أن المدينة لم تكن دائماً رمزاً للفردوس ولا القرية للجحيم، بل يتبدل الفهم حسب الوعي الشخصي.

التأني في السرد وتوزيع الزمن

يمتاز محمود الرحبي في روايته “طبول الوادي” بالتأني في سرد الرواية، حيث يتم الكشف عن المزاج والشخصيات بشكل تدريجي ومدروس، هذا التدرج يتيح للقارئ فرصة للتأمل ومشاركة الشخصيات في تطوراتها، تكوين الرواية بعمق فلسفي يبرز من خلال العودة المتأخرة إلى القرية، ما يمنحها بُعداً تأملياً يُحاكي فلسفة النضج واختيار القرار.

أساليب الحوار واللغات المتنوعة

يمثل استخدام الأساليب المتنوعة في الحوار واللغة جزءاً رئيسياً من رواية “طبول الوادي”، يجمع محمود الرحبي بين الفصحى والعامية واللغات المكسرة، ليعكس بذلك تنوع المجتمع العماني ويكسر الحواجز الثقافية، النص يظهر واقعية ومصداقية من خلال توظيف الخطاب التأملي والأمثال المبتكرة التي تميز الشخصيات مثل مقولة سالم “حين يكون لديك سقف فإنك الثابت كمركز والعالم يدور حولك”.

الإشارات التاريخية في الرواية

تتضمن رواية “طبول الوادي” إشارات تاريخية مهمة مثل مذابح زنجبار، حيث يدمج الكاتب محمود الرحبي الأحداث بذكاء دون أن تبدو مقحمة قسراً، مما يعزز من تجربة البطل الفردية ويضعها في سياق أوسع يشمل المنفى والشعور بالاقتلاع والبحث عن موطن آمن.

رواية “طبول الوادي” تعدّ من الأعمال الأدبية المتميزة للكاتب العماني محمود الرحبي، الصادرة عن محترف أوكسجين للنشر، الطبعة الأولى 2023.