«تطور مذهل» فحص عينات المريخ باستخدام صخور أرضية يكشف معلومات جديدة مهمة

استخدم فريق من الباحثين في مختبر الدفع النفاث لوكالة الفضاء الأميركية “ناسا” ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا تقنية تحليلية متقدمة لدراسة صخور أرضية تحمل بقعًا تشبه تلك التي عُثر عليها في عينة مريخية نادرة جُمعت بواسطة مسبار “بيرسيفيرانس”. العينة المسماة “زافير كانيون” والتي جُمعت في 2024 تتميز ببقع بيضاء محاطة بحواف سوداء داخل حجر طيني أحمر، ويعتقد أن هذه البقع تحمل أدلة مهمة حول مصادر الجزيئات العضوية على المريخ.

تحليل عينات المريخ النادرة ودورها في فهم مصادر الجزيئات العضوية

تندرج عينة “زافير كانيون” ضمن 38 عينة صخرية ملفوفة في أنبوب مغلق من أجل إعادتها إلى الأرض ضمن مهمة “إرجاع عينات المريخ”، التي تُعد الأولى من نوعها في نقل عينات من كوكب آخر لدراستها بدقة في مختبرات الأرض. تهدف هذه المهمة إلى استكشاف تطور المريخ وبيئاته القديمة التي قد تكون مناسبة للحياة. تحمل الصخور ذات اللون البني والتي تشبه رأس السهم، والمُلقبة بـ”بقع الفهد”، ظلالًا من الأحمر والبني مع شروخ بيضاء تفصلها خطوط داكنة، بالإضافة إلى بقع وردية محاطة بحواف سوداء تشير إلى تفاعلات كيميائية معقدة بين الهيماتيت والكربونات.

يُعتقد أن هذه التفاعلات الكيميائية قد تؤدي إلى تحرير عنصرين هامين هما الفوسفور والحديد، اللذين يشكلان مصدر طاقة محتمل للميكروبات على الأرض؛ وهذا يفتح المجال أمام فهم الحياة الميكروبية القديمة على المريخ. علاوة على ذلك، توجد بلورات “أوليفين خضراء” في بعض البقع البيضاء من العينة، ما يدعم فرضيات تتعلق بتشكيل هذه الصخور خلال عمليات جيولوجية قديمة.

تقنية المطيافية الضوئية الحرارية ودورها في كشف بصمات المواد الصخرية

طبق الباحثون في دراسة نشرت في دورية Review of Scientific Instruments تقنية المطيافية الضوئية الحرارية بالأشعة تحت الحمراء على صخرة بازلتية أرضية تحتوي على شوائب داكنة تشبه تلك التي في العينة المريخية. وتعتمد هذه التقنية على ليزرين: الأول يسخن المادة بطريقة تُحدث اهتزازات حرارية دقيقة على سطحها تتوافق مع طول موجة الليزر، والثاني يقيس هذه التغيرات لتحديد “البصمة الكيميائية” المميزة للمادة.

أظهرت التجارب قدرة هذه التقنية على التمييز الواضح بين المادة الأساسية للصخرة والشوائب الداكنة، وذلك بدقة مكانية عالية وسرعة في جمع الطيف الكيميائي، إذ يتم التحليل خلال دقائق قليلة. ومن الجدير بالذكر أن الصخرة الأرضية التي دُرست وُجدت عن طريق الصدفة أثناء رحلة تنزه للباحث نيكولاس هاينز في سيدونا بولاية أريزونا، حيث استرعى انتباهه وجود بقع مشابهة لتلك الموجودة في العينة المريخية، فتم أخذها لدراستها لاحقًا.

مهمة إرجاع عينات المريخ وأهميتها العلمية في استكشاف الكوكب الأحمر

تُعد مهمة إرجاع عينات المريخ MSR حجر الزاوية في استكشاف المريخ، حيث تجمع هذه المهمة عينات من الصخور والغبار المريخي وتُعيدها إلى الأرض لتحليل أكثر دقة باستخدام أدوات علمية متطورة غير متاحة على المسبارات. تمتاز هذه المهمة بأنها توفر إمكانية دراسة العينات بشكل متكرر وباستخدام أحدث أجهزة المستقبل، ما يفتح آفاقًا جديدة لفهم تاريخ المريخ وخصائصه الكيميائية والجيولوجية.

تاريخيًا، تعود أفكار إرجاع العينات من المريخ إلى سبعينيات القرن الماضي، إلا أن محاولات الاتحاد السوفيتي فشلت بسبب مشاكل تقنية. تجدد الاهتمام بالمهمة في التسعينيات عند اكتشاف متحجرات دقيقة محتملة في نيزك مريخي، لتُصنف مهمة MSR كأعلى أولوية لمهمة فضائية رئيسية في 2011 بحسب مجلس الأبحاث الوطني الأميركي. تمثل هذه المهمة فرصة فريدة للمقارنة مع نيازك المريخ التي وُجدت على الأرض، وتعزز فهمًا عميقًا لتاريخ الكوكب الأحمر.

درست العديد من الأبحاث الجيولوجية صخورًا أرضية تشبه عينات المريخ بدرجة ملحوظة من حيث التركيب المعدني وظروف التشكل، لا سيما في مناطق بركانية وجافة مثل صحراء أتاكاما في تشيلي وبراكين هاواي. تحتوي هذه الصخور على معادن مثل الأوليفين والبيروكسين التي تشابه تلك التي حُددت على سطح المريخ. تستخدم هذه البيئات الأرضية كنماذج طبيعية لتفسير التغييرات الكيميائية والمورفولوجية التي قد تكون حدثت على الكوكب الأحمر، خاصةً في ظل درجات حرارة منخفضة ونقص المياه.

وأشار الباحث نيكولاس هاينز إلى أن هذه الطريقة توجه الباحثين نحو مناطق مثيرة للاهتمام في العينات، مثل تلك التي قد تحمل مواد عضوية، ليتم تحليلها بأدوات أكثر حساسية لاحقًا. وأضاف أن هذا الأسلوب يُعتبر توجيهًا مهمًا لدراسة أي مادة تُعاد من المريخ أو الكويكبات أو الأسطح الكوكبية الأخرى.