
شهدت الأشهر الأخيرة تحولات كبيرة في حركة التجارة العالمية، خصوصًا بعد الاضطرابات التي أثرت على إيرادات قناة السويس بسبب الهجمات الحوثية المتزايدة واستهداف السفن البحرية في البحر الأحمر، ومع إعلان سلطنة عمان عن نجاح الوساطة بين الولايات المتحدة والحوثيين فيما يتعلق بهدنة جديدة في البحر الأحمر، يبرز التساؤل حول مدى تأثير هذا الاتفاق على قناة السويس والاستقرار الإقليمي.
تأثير الهجمات الحوثية على إيرادات قناة السويس
تسببت الهجمات الحوثية المستمرة منذ أواخر عام 2023 في إجبار العديد من السفن التجارية على تغيير مساراتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح لتجنب المرور عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ورغم أن هذا المسار أطول وأكثر تكلفة، إلا أن السفن فضلت تجنبه خوفاً على سلامتها، مما أدى إلى تراجع كبير في حركة الملاحة من خلال القناة.
وفقًا للإحصاءات الرسمية، سجلت قناة السويس إيرادات بلغت 7.2 مليار دولار فقط خلال العام المالي 2023/2024 مقارنة بـ9.4 مليار دولار في العام السابق، وهو ما يعادل انخفاضاً نسبته 23.5%، مع تراجع أعداد السفن المارة من حوالي 25,911 إلى 20,148 سفينة خلال نفس الفترة، مما يعكس التحديات الاقتصادية التي تواجهها القناة بسبب تلك الهجمات.
الهدنة بين الحوثيين وأمريكا ودورها في تعزيز الملاحة بقناة السويس
يساهم الإعلان عن هدنة جديدة بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي في تهدئة الأوضاع بمنطقة البحر الأحمر، ما يفتح الطريق أمام استعادة حركة الملاحة البحرية بشكل طبيعي، حيث أكدت مصادر أن هذه الهدنة تشمل وقف استهداف السفن الأمريكية مع استثناء السفن الإسرائيلية من نطاق الاتفاق، ومع ذلك، فإن هذا الاتفاق يُعد خطوة إيجابية نحو خفض التصعيد واستقرار الملاحة الدولية.
التحليلات الاقتصادية تشير إلى أن تحسين الوضع الأمني في البحر الأحمر سيؤدي إلى عودة الشركات الدولية لاستخدام قناة السويس بدلاً من اللجوء إلى المسارات البديلة، مما يعزز تدفق الإيرادات الدولارية لمصر، كما أن زيادة الاستثمارات في الموانئ المصرية قد تسهم بدور إضافي في تحقيق هذا الاستقرار الاقتصادي.
التحديات الاقتصادية المصرية بسبب الهجمات الحوثية
لم تقف آثار الهجمات الحوثية عند حدود قناة السويس، بل امتدت لتطال الاقتصاد المصري بشكل عام حيث بلغ سعر الدولار في السوق السوداء أرقاماً قياسية وصلت إلى 50 جنيهًا، نتيجة ضغط الانخفاض المتوالي في الإيرادات الدولارية للقناة وزيادة الطلب على العملات الأجنبية، وهو ما أثر على الكثير من القطاعات الاقتصادية الحيوية في البلاد.
وأشارت تصريحات الخبراء الاقتصاديين إلى أن السلطات المصرية بدأت بالفعل حملة قوية لإعادة جذب السفن والشركات التجارية لاستخدام قناة السويس مجددًا عبر تقديم حوافز وتخفيضات، فضلاً عن تعزيز التعاون مع الدول الإقليمية لضمان استدامة التهدئة في منطقة البحر الأحمر، ما قد يساعد على استعادة بعض من الخسائر الناتجة عن الأزمة.
في النهاية، فإن تفعيل هدنة قوية وشاملة يظل العامل الأساسي لضمان عودة الملاحة بأمان، ودعم الاقتصاد المصري وإيرادات القناة بشكل مستدام، مع أهمية استمرار الجهود الدبلوماسية لتجنب التصعيد العسكري الذي يؤثر على التجارة الدولية.