
مع بداية موسم الشتاء وتساقط الأمطار في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، يزداد اهتمام المسلمين بالأدعية المأثورة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأوقات المباركة. يُعد المطر من النعم العظيمة التي يمنّ الله بها على عباده، وقد حثّ الإسلام على استقباله بالحمد والدعاء، لما في ذلك من تعبير عن الشكر والاعتراف بفضل الله ورجاء في المزيد من الخير والبركة.
ومن أبرز ما ورد في السنة النبوية، ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها، حيث قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: “اللهم صيباً نافعاً”. هذا الدعاء القصير يحمل في معانيه الكثير من الرجاء بأن يكون الغيث نافعًا مباركًا، يحمل الخير للناس والأرض، ويسقي الزرع ويحيي القلوب، دون أن يكون فيه ضرر أو أذى.
وقد أولى الصحابة والتابعون هذا الدعاء أهمية كبيرة، واعتادوا ترديده عند نزول المطر، وأضافوا إليه أدعية أخرى مستحبة، منها: “اللهم صيباً هنيئاً”، “اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك”، “اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به”. هذه الأدعية تعبر عن التوازن بين التوسل إلى الله بطلب الرحمة، والاستعاذة به من أي ضرر قد يحمله الغيث إن كان ابتلاءً أو عقابًا.
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص عند اشتداد المطر وخوف الضرر، حيث قال: “اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر”. ويدل هذا الدعاء على حكمة النبي ﷺ في التعامل مع تقلبات الطقس، فهو لم يطلب انقطاع المطر، بل طلب توجيهه إلى أماكن يستفيد منها الناس والطبيعة، بعيداً عن المناطق السكنية والبيوت التي قد تتضرر من السيول.
وتُعتبر هذه اللحظات التي يهطل فيها المطر من الأوقات المباركة التي يُستحب فيها الدعاء، فقد قال العلماء إن الدعاء عند نزول المطر من مواطن الاستجابة، لما فيها من خضوع العبد وتذلله لربه في وقت تنزل فيه رحماته.
ومن الأدعية الأخرى التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السياق: “اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً نافعاً غير ضار، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين”. هذا الدعاء يعكس افتقار الإنسان إلى عطاء الله ورحمته، ويؤكد على أن نزول المطر ليس فقط حاجة مادية بل هو أيضًا نعمة معنوية تُجدد الأمل وتُحيي الإيمان.
كما يختم كثير من المسلمين أدعيتهم أثناء المطر بالتسبيح، استنادًا إلى قول الله تعالى: “سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته”، في إشارة إلى أن جميع مخلوقات الله، حتى الرعد والبرق، تسبّحه وتخضع لعظمته، فيتجدد في قلوب المؤمنين شعور الخشوع والطمأنينة.
ومع حلول موسم الأمطار، يحرص كثير من المسلمين في الإمارات وسائر الدول الإسلامية على اغتنام هذه الفرصة، فيرفعون أيديهم بالدعاء، سائلين الله أن يجعل المطر بركة لهم ولأوطانهم، وأن ينفع به الزرع والناس والحيوان، ويبعد به الأذى والكوارث.
ولا يقتصر الدعاء أثناء المطر على الأفراد فقط، بل تُقام في بعض الدول الإسلامية صلوات الاستسقاء والدعاء الجماعي في المساجد والساحات، خاصة عند تأخر المطر أو الحاجة الشديدة إليه. كما أن الأطفال يتعلمون هذه السنن في البيوت والمدارس، فينشأون على تقدير هذه النعم والدعاء في أوقاتها المباركة.
ويُذكر أن ترديد هذه الأدعية ليس محصورًا بلحظة نزول المطر فقط، بل يمكن تكرارها خلال استمراره، مع اليقين بأن الله سميع مجيب، وأن الدعاء في مثل هذه اللحظات من أعظم وسائل التقرب إلى الله تعالى.