رحيل القامة الدعوية سعد البريك وإرثه الإنساني والفكري الخالد

وفاة الشيخ سعد البريك، القامة الدعوية الشامخة التي تركت إرثًا إنسانيًا وفكريًا خالدًا، شكلت حدثًا مؤثرًا هز الوسط الدعوي والإسلامي، حيث ودّعه العالم الإسلامي بتاريخ 3 مايو 2025 مساءً في الرياض بعد مسيرة حافلة بالعطاء والجهود الإصلاحية المميزة، وقد شيّع جثمانه بحضور الآلاف من محبيه من جامع الراجحي، مما يؤكد عمق تأثيره في نفوس ملايين المسلمين الذين حملوه في ذاكرتهم كمنارة دعوية وفكرية لا تُنسى.

الذكرى العظيمة لوفاة الشيخ سعد البريك ودوره في الساحة الدعوية والفكرية

الحديث عن وفاة الشيخ سعد البريك لا يقتصر على فقدان شخصية دينية فحسب، بل هي خسارة لصوت حق كان له تأثير واضح في تصحيح المفاهيم الدينية والتوجيه الفكري وسط عديد من التيارات المتباينة؛ فقد عُرف البريك بخطابه الواضح والمباشر الذي جمع بين الفقه العميق والواقع المعاصر، مما جعله من أبرز الأصوات المؤثرة على المنابر وبرامج الإعلام الإسلامي، وهو ما يجعله أيقونة في العمل الدعوي والتربوي الذي استمر حتى أيامه الأخيرة.

شهرة الشيخ سعد البريك الباحث في العقيدة والمذاهب المعاصرة، جاءت بعد تخرجه بمرتبة الشرف من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتحصيله على الدكتوراه بأطروحته المهمة “تنصيص اختيارات الإمام الخطَّابي الفقهية”، التي أشادت بها الأوساط الأكاديمية باعتبارها مرجعًا هامًا في الدراسات الفقهية المقارنة التي تستفيد منها الأجيال القادمة في فهم التراث الفقهي بشكل معاصر ومتوازن.

مسيرة الشيخ سعد البريك التعليمية والدعوية وإعلامه الإسلامي المؤثر

بدأ الشيخ سعد البريك رحلته التعليمية كمحاضر في كلية المعلمين بقسم الدراسات الإسلامية، قبل أن يتجه للإعلام الدعوي الذي كانت صوته فيه أكثر وضوحًا وتأثيرًا، حيث قدم عبر قنوات فضائية برامج عدة مثل “خذوا عني مناسككم”، و”وَثَبَتَ الأجر”، و”النجاة”، بالإضافة إلى سلسلة “سواعد الإخاء” التي تناولت قضايا دقيقة ومتنوعة بأسلوب شرعي مبسط يجمع بين عمق الفقه ورحابة الفكر، يعكس فهمه العميق لدور الإعلام في تكوين وعي المجتمع.

إضافة إلى نشاطه الإعلامي، كانت له بصمة إنسانية كبيرة في دعم الشباب وقضاء حوائج المحتاجين، فكان سباقًا في الانخراط في الحملات الخيرية محليًا وعالميًا، معتقدًا أن قوة الأمة في شبابها الذين يجب توجيههم ورعايتهم، مما جعل محبته لا تقتصر على العقول فقط بل امتدت إلى القلوب، وهذا ما أكسبه ثقة واسعة داخل المجتمع وجعل منه نموذجا للداعية المتكامل.

الأدوار العلمية والمنصب الدعوي وإرث الشيخ سعد البريك الفكري والدعوي

تقلد الشيخ سعد البريك مناصب دعوية وعلمية عديدة تشمل الإشراف على المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد في مناطق متعددة بالرياض، والعضوية في الهيئات الشرعية العالمية، مثل الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ومجلس أمناء مؤسسات إسلامية في دول مختلفة كالسويد واليابان، إضافة إلى إمامته وخطابه في جامع الأمير خالد بن سعود لأكثر من ربع قرن، مما يجسد المكانة الرفيعة التي حازها خلال عمره.

أما مؤلفاته العلمية، فقد حملت وزنًا كبيرًا في المشهد الفكري الدعوي؛ إذ تشمل:

• “الاختيارات الفقهية للإمام الخطَّابي” في ستة مجلدات،
• “الإيجاز في بعض ما اختلف فيه الألباني وابن عثيمين وابن باز”،
• “فتاوى الفضائيات: الضوابط والآثار”،
• كما نشر العديد من البحوث في مجلات علمية متخصصة ومن خلال موقعه الإلكتروني.

خطابه المعتدل والوسطي كان ركيزة في مواجهته للانحرافات الفكرية، حيث استند إلى منهجية شرعية وعقلانية قوية دفاعًا عن ثوابت الدين، وهو ما جعله مصدر أمان للشباب الباحثين عن الحقيقة في زمن تعج فيه التيارات المتشددة والمتطرفة.

يعدّ رحيل الشيخ سعد البريك خسارة كبيرة للدعوة الإسلامية، إذ فقدت الأمة داعيةً شامخًا جمع بين العلم والإصلاح والإعلام والعمل الإنساني، واحتفى به العالم الإسلامي بتعابير من الحزن والوفاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استذكر العلماء والدعاة بصماته وروحه الطيبة، مؤكدين أن إرثه الفكري والإنساني سيظل حيًا في وجدان الأمة، تنير خطاه الأجيال القادمة وتُلهِم محبيه بالوسطية والاعتدال والتسامح.

تبقى صورته حاضرة في أذهان المسلمين، بين خطبه القيمة وبرامجه الفكرية التي رفضت التطرف، ووقف الأب المخلص لمجتمعه وشبابه، مؤكدًا أن القيم الأصيلة والدين المتوسط طريق لا مسلك غيره، مما يضمن له موقعًا دائمًا في سجل الدعاة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.