عالم فيزياء يكشف خطة إطلاق مركبة فضائية نحو ثقب أسود.. ما الهدف المتوقع؟

تُعَد فكرة إرسال مركبة فضائية صغيرة إلى أقرب الثقوب السوداء لكوكب الأرض خطوة ثورية في دراسة طبيعة المكان والزمان وقوانين الفيزياء في أقصى حالاتها تطرفًا؛ وهذا ما اقترحه عالم الفيزياء الفلكية كوزيمو بامبي، الذي يقترح باستخدام مركبة بوزن صغير وحجم مشبك ورق تسير بسرعة تقترب من سرعة الضوء لتنفيذ مهام علمية مهمة.

الفهم العميق لحدود نظرية النسبية العامة والثقوب السوداء القريبة

تُشكّل نظرية النسبية العامة لأينشتاين الإطار الأساسي لوصف الجاذبية وبنية الزمكان، وقد تم التحقق من صحتها باستمرار في “حد المجال الضعيف” حيث تكون قوة الجاذبية منخفضة وسرعات الأجسام بطيئة مقارنة بسرعة الضوء، مما يسمح بتحليل مبسّط يشابه قوانين نيوتن. لكن “حد المجال القوي” حيث تكون الجاذبية هائلة، لا زال يُشكّل تحديًا علميًا، ويُعتبر اختبار النسبية العامة في هذه الحالة من خلال الثقوب السوداء هو السبيل الأوفر لفهمها.

أقرب ثقب أسود معروف يبعد نحو 1560 سنة ضوئية ويُدعى GAIA-BH1، وهو نظام ثنائي مع نجم يشبه الشمس، لكن هناك احتمال وجود ثقوب سوداء أكثر قربًا، على بعد 20 إلى 25 سنة ضوئية فقط، وفقًا للتقديرات المبنية على عدد النجوم وثقوبها السوداء في مجرة درب التبانة التي تقدر بالمليارات.

تقنيات الكشف المتقدمة لثقب أسود قريب ومهمة المركبة النانوية الفضائية

اكتشاف أقرب ثقب أسود يعتمد على مراقبة حركة النجوم المحيطة أو ظاهرة عدسة الجاذبية الدقيقة التي تتسبب في تضخّم مؤقت لسطوع مصدر ضوء بعيد نتيجة انحنائه بفعل جاذبية جسم وسيط، وهي طريقة رئيسية لكشف الثقوب السوداء المنفردة. وبجانب ذلك، تُعَدُّ الرصدات الكهرومغناطيسية وموجات الجاذبية من التقنيات المستقبلية الواعدة التي قد تكشف عن ثقوب سوداء لا تبعد أكثر من 25 سنة ضوئية.

لتحقيق الوصول إلى هذا الثقب الأسود، يُقترح استخدام مركبة فضائية صغيرة تُسمى “نانوكرافت”، وزنها واحد غرام فقط، تتكوّن من رقاقة وشراع ضوئي يدفعها شعاع ليزري عالي الطاقة مبتكر، ما يسمح لها بالسفر بسرعة تقترب من سرعة الضوء. هذه المركبة قد تصل إلى الهدف خلال 70 عامًا، فيما تحتاج البيانات المُرسلة للأرض نحو 20 عامًا إضافية، إذًا تستغرق المهمة بأكملها من 80 إلى 100 عام.

التحديات الثلاث الأساسية لإرسال مركبة نانوية إلى أقرب ثقب أسود

هناك ثلاثة تحديات رئيسية تعترض إرسال مهمة فضائية إلى أقرب ثقب أسود؛ أولاها تصنيع مركبة “النانوكرافت” التي تتطلب تقنيات تصنيع متطورة لمصفوفات ليزر ضخمة وأشرعة ضوئية متينة تتحمل الإشعاع، بالإضافة إلى تطوير وسائل نقل البيانات عبر مسافات كبيرة. ثانيًا، يتوجب تحديد موقع الثقب الأسود بدقة كبيرة، خاصة وأن الموجات الجاذبية قد لا توفر هذا الدقة بقدر ما تفعل التقنيات الكهرومغناطيسية، وهناك التحدي الأكبر في ضبط مدار المركبة حول الثقب الأسود. التحدي الثالث يتعلق بابتكار أدوات علمية صغيرة جدًا لتجمع البيانات وترسلها بفعالية، ضمن حجم رقاقة “النانوكرافت”.

وعلى الرغم من هذه الصعوبات التقنية والمالية — إذ قد تصل تكلفة الليزرات إلى تريليون يورو، مع ضرورة تطوير تكنولوجيا تصنيع النانوكرافت نفسها — يعد المشروع فرصة نادرة لاختبار النسبية العامة في أقصى ظروف الجاذبية.

خصائص الثقوب السوداء تفاصيل
التعريف أجسام فضائية فائقة الكثافة ذات جاذبية هائلة تمنع حتى الضوء من الهروب
الظهور غير مرئية مباشرة، تكتشف عبر تأثيرها على الأجسام المحيطة
أفق الحدث نقطة اللاعودة حيث لا يستطيع أي شيء الهروب منها
أنواعها
  • ثقوب نجمية: من انهيار النجم الضخم
  • ثقوب فائقة الكتلة: في مراكز المجرات
  • ثقوب متوسطة الكتلة: بين النوعين السابقين
  • ثقوب أولية نظرية: تكوّنت بعد الانفجار العظيم
تأثيرها في الفضاء تشويه الزمكان، سحب المادة، تكوين أقراص تراكم مضيئة
خطرها خطيرة عند الاقتراب الشديد لكنها لا تبتلع الكون

تنطوي الثقوب السوداء على ظواهر فيزيائية غريبة؛ فمثلاً، يتباطأ الزمن بشكل كبير قربها، وهناك ما يُسمى التفرد المركزي الذي يمثل نقطة ذات كثافة لا نهائية، كما فُترض أنها قد تكون ممرات دودية أو أبواباً لأكوان أخرى بناءً على بعض النظريات الحديثة، برغم عدم تأكيدها حتى الآن.

يمثل مشروع إرسال مركبة “نانوكرافت” بهذا الوزن الصغير إلى أقرب ثقب أسود اختبارًا عمليًا لمستقبل استكشاف الفضاء، ويستحضر التجارب السابقة التي بدت مستحيلة مثل اكتشاف موجات الجاذبية وتصوير ظل الثقب الأسود، مما يؤكد أن التحديات الحالية قد تمثل نقاط انطلاق لثورات علمية وتقنية في المستقبل القريب.