لماذا يصام يوم عرفة؟ اكتشف أثره في تكفير الذنوب وفرصة التوبة

صيام يوم عرفة يكفر الذنوب ويُعد فرصة ذهبية للتوبة والاستغفار، إذ تنمو الأواصر الروحية في هذا اليوم العظيم الذي يجمع بين العبادة والتضرع إلى الله تعالى، خاصة لغير الحاج الذين يجدون في صيام يوم عرفة بابًا واسعًا للمغفرة والرحمة، وقد ثبت في الحديث الشريف أن صيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين: ما قبلها وما بعدها، مما يجعل هذا اليوم من أفضل الأيام العملية والروحية التي حرص الإسلام على تأكيد فضائلها.

حكم وأحكام صيام يوم عرفة للغير الحاج والحاج

توضح دار الإفتاء المصرية أن صيام يوم عرفة سنة مؤكدة للغير الحاج لما له من فضل عظيم وفضل كبير في تكفير الذنوب، بينما يُكره للحاج الصيام في هذا اليوم نظرًا لشدة المشقة التي يتعرض لها أثناء أداء مناسك الحج، فالصيام قد يؤثر سلبًا على أداء الفريضة الثقيلة. هذا الرأي تستند إليه أغلب مذاهب المالكية والشافعية والحنابلة، مستدلين بقصة أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها التي أرسلت اللبن للنبي صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة وهو واقف بعرفة فشربه، مما يدل على أنه لم يصم، إضافة إلى أن الصحابة أمثال أبو بكر وعمر وعثمان لم يكن يصوموا يوم عرفة أثناء الحج. ومن جهة أخرى، يُمنع صيام الحائض والنفساء في يوم عرفة، إذ لا يصح منهما الصوم حتى تطهرا، ولكن يستحب لهما الإكثار من الأعمال الصالحة كالدعاء والذكر وإخراج الصدقات وقراءة القرآن الكريم، ليحصلا على أجر عظيم في هذا اليوم المبارك.

فضائل صيام يوم عرفة وأهميته في تكفير الذنوب

يتمتع يوم عرفة بخصائص ومقامات عالية جعلها الله تعالى من أفضل أيام العام للإكثار من الصلاة، الدعاء، وصيام يوم عرفة بسبب فضائله الكثيرة التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. فهو من أيام الأشهر الحرم التي شُرعت للحفظ والتعظيم، ويقع ضمن أيام أشهر الحج، إذ قال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (الحج: 28)، كما أقسم الله به في سورة الفجر قائلاً: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، حيث تشمل هذه العشر أيام من ذي الحجة. النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أنه لا توجد أيام يُحب الله فيها العمل الصالح أكثر من هذه الأيام العشر، ويوم عرفة هو يوم عيد للحجاج وغيرهم، ويُعتبر أفضل يوم للدعاء حيث قال: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ». وقد نزلت فيها آية من آيات إكمال الدين بتمام الإسلام، إذ قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3) في يوم عرفة يوم الجمعة، ويكفر صيام يوم عرفة ذنوب السنتين، السنة التي قبله والسنة التي بعده، بالإضافة إلى أن الله يعتق فيه الكثير من نفوس العباد من النار، ويباهي بأهل عرفة الملائكة، وهو الركن الأعظم من أركان الحج. يشمل التكبير في هذا اليوم مقيدًا وغير مقيد، حيث يبدأ التكبير المطلق من أول شهر ذي الحجة، أما المقيد فيبدأ من صلاة الفجر يوم عرفة.

الذنوب التي لا تُغفر بيوم عرفة وأفضل دعاء له

رغم فضل صيام يوم عرفة في تكفير الذنوب، إلا أن هناك ذنوبًا لا تُغفر إلا بشروط محددة، أبرزها الشرك بالله تعالى، فقد قال الله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48)، ومن الضروري أيضًا رد حقوق الناس التي تشمل الظلم، الديون، والغصب قبل طلب المغفرة، لأن هذه الحقوق يجب أن تُعاد لأصحابها. كذلك يُعد القتل العمد من الذنوب التي لا تُغفر إلا بحقوق ثلاثة: حق الله، وحق ولي الدم، وحق المقتول، فلا يغفر إلا بتسوية هذه الحقوق. يحث النبي صلى الله عليه وسلم على الإكثار من الدعاء في يوم عرفة، وأفضل ما يُقال هو: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، ويُستحب أن يتوجه المسلم بالدعاء لنفسه ولأهله ولجميع المسلمين بالمغفرة والرحمة والعتق من النار، سواء كان صائمًا أو مفطرًا.

• الشرك بالله لا يغفر إلا بالتوبة الصادقة والإقلاع عنه.
• رد حقوق الناس واجب قبل طلب المغفرة.
• القتل العمد لا يغتفر إلا بأخذ حقوقه الشرعية.
• الدعاء المستمر والتوبة النصوح من أسباب المغفرة.

يعتبر صيام يوم عرفة من أفضل الأعمال التي يمكن أن يغتنمها المسلم في حياته، فهو يفتح أبواب المغفرة لتكفير الذنوب الماضية والمستقبلية، ويوفر فرصة ثمينة للتوبة والرجوع إلى الله بصدق وإخلاص. أما الحاج فينبغي أن يعتني بصحته ليتمكن من أداء مناسك الحج بكل يسر وسكينة دون إرهاق يجلب الضرر له، لذا يُفضل له عدم الصيام في هذا اليوم. وفي كل حال، يُعد يوم عرفة لحظة روحانية تفجر التجارب التعبدية في النفوس، فتحثها على الإكثار من الصدقة والدعاء والذكر، التي بمجموعها تُحلق بالنفس إلى أعلى درجات القرب من الله، تقربًا لا يُضاهى.