للمصابين بالسيلياك.. علاج تجريبي جديد يبعث الأمل في الشفاء النهائي

لمرضى السيلياك، يفتح العلاج التجريبي الجديد الذي طوره باحثون من جامعة لوزان السويسرية آفاقًا واسعة أمام الشفاء من الداء البطني، عبر تسكين الاستجابة المناعية للجسم تجاه بروتين الغلوتين، المسبب الأساسي لأعراض المرض؛ ويُعد هذا الابتكار المناعي نقلة نوعية في علاج مرض السيلياك، الذي يُعرف باضطرابه المناعي الذاتي المفعّل عند تناول الغلوتين، مسببًا آلامًا معوية، إسهالًا، وتلفًا في بطانة الأمعاء الدقيقة.

العلاج التجريبي لمرضى السيلياك مستوحى من تقنيات المناعة ضد السرطان

استفاد الفريق البحثي من علاج مناعي متطور يُعرف بـ “CAR-T” المُستخدم في مكافحة السرطان، حيث يتم برمجة الخلايا التائية لاستهداف خلايا سرطانية محددة؛ لكن العلاج التجريبي لمرضى السيلياك يقوم بعكس هذا المبدأ، إذ لا يفعّل الجهاز المناعي بل يكبح استجابته تجاه الغلوتين. وقد تم تطوير نوعين من الخلايا التائية: النوع الأول “مُؤثر” مسؤول عن مهاجمة بروتين الغلوتين، والنوع الثاني “منظم” يهدف إلى تهدئة استجابة النوع الأول، وما إن تم حقن الفئران بهذه الخلايا، حتى لوحظ عدم مهاجمة الخلايا المؤثرة للغلوتين أو هجرتها إلى الأمعاء كما هو متوقع في حالة المرض.

آليات جينية ونتائج واعدة في العلاج التجريبي لمرضى السيلياك

تركزت التجارب على فئران وراثيًا حاملة لجين HLA-DQ2.5، المرتبط بداء السيلياك لدى البشر، وسجلت النتائج أن الخلايا التائية المنظمة التي تم حقنها لم تمنح الفئران مقاومة مبتكرة فقط لبروتين الغلوتين، بل خفّفت أيضًا من استجابات مناعية تجاه مستضدات مشابهة؛ هذا التثبيط الانتقائي للاستجابة المناعية قد يغيّر جذريًا طرق العلاج المتبعة، مستبدلاً النظام الغذائي الخالي من الغلوتين بأسلوب تدريجي طبي أكثر فعالية يوجه الجهاز المناعي لضبط رد فعله السلبي تجاه الغلوتين وغيرها من البروتينات المرتبطة.

التحديات المستقبلية ومسار تطوير علاج تجريبي لمرضى السيلياك

رغم النتائج المشجعة، يُحذر خبراء من تفاؤل مفرط لعدة أسباب ضرورية في سياق تطوير علاج تجريبي لمرضى السيلياك، نذكر منها:

  • الفئران المستخدمة لم تكن مصابة فعليًا بداء السيلياك، بل حُددت وراثيًا فقط
  • تركزت التجربة على نوع واحد من الغلوتين وهو الجليادين الموجود في القمح، ولم تشمل بروتينات الشعير أو الجاودار
  • لم يُدرس تأثير التعرض طويل المدى للغلوتين، حيث حدث الحقن مرة واحدة فقط
  • عدد الخلايا التائية المنظمة محدود طبيعيًا في أجسام مرضى السيلياك، وقد يؤدي هذا إلى عدم فعالية العلاج لبعض الحالات

ويبقى الطريق أمام اعتماد علاج تجريبي لمرضى السيلياك طويلًا، لكن ما هو واضح أن هذا المسار يفتح آفاقًا جديدة لعلاج المناعة الذاتية، بما قد يحول حياة ملايين المرضى الذين يعيشون تحت وطأة النظام الغذائي الصارم الخالي من الغلوتين، والذي يفرض عليهم تجنب حتى أدق التفاصيل في المكونات الغذائية خوفًا من تدهور حالتهم الصحية.

في حال نجاح التجارب البشرية، سيُحدث هذا العلاج التجريبي لمرضى السيلياك تحولًا حقيقيًا يخفف العبء النفسي والجسدي عن الملايين، ويتيح استخدام الخلايا المناعية المنظمة لعلاج أمراض مناعية أخرى ناجمة عن فرط استجابة الجهاز المناعي؛ ومع أن العلاج لا يزال في نطاق التجارب المختبرية، فإن هذا الابتكار يعزز الأمل في العلاجات الطبية المتقدمة التي لا تعتمد فقط على النظام الغذائي، بل على ضبط الجهاز المناعي ذاته؛ إذا ما ثبتت فعاليته سريريًا، ستكون هذه التقنية نقطة تحول في الطب المناعي وتحسين جودة الحياة حول العالم.