كيف يشكل الذكاء الاصطناعي مستقبل الإعلام في الإمارات؟

التحولات الإعلامية ودور الذكاء الاصطناعي في صناعة الإعلام الإماراتي

يشهد الفضاء الاتصالي العالمي تحوّلات كبيرة بفعل تطورات الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام، حيث لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة للإنتاج بل تحول إلى منظومة معرفية مستقلة تعيد تشكيل اللغة، وإنتاج الخبر، وتوجيه الإدراك الجمعي. هذه التحولات تعكس دور الذكاء الاصطناعي كقوة فاعلة تعيد تعريف أصول الممارسة الإعلامية.

دور الذكاء الاصطناعي في تحولات صناعة الإعلام الإماراتي

برز الذكاء الاصطناعي كفاعل رئيسي يعيد هندسة المعرفة في الحقول الإعلامية، وهو ما انعكس بوضوح في المؤتمرات الدولية العديدة التي عقدت خلال يوليو في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية، حيث ناقشت موضوعات تشمل حرية الصحافة والأمن الرقمي واستراتيجيات التأثير الجماهيري. وفي ضوء هذا المشهد، تتبوأ دولة الإمارات مكانة محورية في صناعة الإعلام من خلال استضافتها المتكررة لفعاليات مهمة مثل «الكونغرس العالمي للإعلام» و«قمة الإعلام العربي»، اللذين يناقشان التحديات التي تطرحها تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبالأخص تلك المتعلقة بالحفاظ على الأمن الإعلامي والهوية الثقافية في ظل التحول الرقمي.

تُدرك القيادة الإماراتية بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن الذكاء الاصطناعي يقدم فرصاً واعدة لكنه يحمل أيضاً تحديات جوهرية تمس الثقافة والمجتمع، ولهذا تعمل المؤسسات الإعلامية في الإمارات على تطوير أطر استراتيجية متقدمة تجمع بين التمكين التقني والتأصيل الثقافي، وتوظف الذكاء الاصطناعي في سياقات مسؤولة تهدف إلى تعزيز مناعة المجتمع ضد التضليل، ومحاربة الشائعات، والحيلولة دون استغلال الإعلام من قبل تيارات وأجندات عابرة للحدود.

التحديات العالمية للذكاء الاصطناعي وتأثيرها على الثقة في الإعلام

تشير تقارير دولية مثل “مراسلون بلا حدود” إلى أن أكثر من 67% من المحتوى الرقمي يتم إنتاجه عبر أنظمة مؤتمتة، مما يفاقم ضعف المصداقية الإعلامية ويثير تساؤلات حول سلطة الحقيقة. كما تكشف “MIT Technology Review” أن الخوارزميات تفضل تضخيم المحتوى المثير والمضلل بنسبة تزيد على 70%، وهذا يشكل تهديداً حقيقياً لبنية الإدراك الجمعي وثقة الجمهور في المؤسسات الإعلامية.

يظهر تحدٍ أعمق، يجسد ما يعرف بـ”أزمة الثقة المعرفية”، حيث تميل الأجيال الجديدة للثقة في الأنظمة الذكية بدل المؤسسات التقليدية، مما يؤدي إلى نشوء نوع من “الثقة الاصطناعية” التي تستبدل المرجعيات الإنسانية بمنصات رقمية تبدو محايدة لكنها في الحقيقة تخضع لمنصات مصالح خفية تعيد تشكيل الواقع وتوجه الرأي العام دون خضوع لمنظومة مساءلة مؤسسية أو رقابة أخلاقية.

• تكريس دور العلوم الإنسانية والاجتماعية في تحليل وتفسير التحولات الإعلامية
• تعزيز الوعي العام بأخطار استبدال المعايير الفكرية بالمعايير الدعائية والتجارية
• وضع قواعد محكمة للرقابة والتنظيم الإعلامي الرقمي تحافظ على مصداقية المحتوى

الرؤية الإماراتية المتوازنة لتحويل الذكاء الاصطناعي إلى عامل دعم ثقافي واجتماعي

في قلب التحديات الدولية المعقدة، تستمر الإمارات العربية المتحدة في تأكيد نموذجها الرائد الذي يوازن بين متطلبات التحول الرقمي وحفظ الهوية الثقافية. وتعتمد الإمارات مقاربة ترتكز على الإنسان كمحور أساسي لفهم واستثمار التكنولوجيا، حيث تُعتبر تقنيات الذكاء الاصطناعي أداة لتحقيق أهداف عليا تشمل صون الهوية الوطنية، تعزيز التماسك الاجتماعي، وحماية التراث الثقافي.

وترى القيادة الإماراتية أن التحدي ليس في امتلاك أدوات التكنولوجيا الحديثة فحسب، بل في القدرة على توجيهها بكفاءة لخدمة الإنسان والمجتمع بطريقة مسؤولة ومستدامة، من خلال:

تأتي هذه الاستراتيجية كخطوة استباقية لمواجهة تحولات الذكاء الاصطناعي المتسارعة، مع الإدراك بأن مستقبل الإعلام يعتمد على دمج الذكاء الاصطناعي بوعي ثقافي عميق يجمع بين الموروث والمعاصرة، بما يحافظ على التوازن بين سرعة الإنجاز ودقة المعلومة، ويضمن استدامة مصداقية الإعلام كمرآة للمجتمع وقوة فاعلة في بناء الوعي الجمعي.