وداعاً آخر الرحابنة.. تعرف على قصة فارقة في عالم الموسيقى العربية

زياد رحباني، الفنان العبقري الذي غنت له فيروز أجمل أبياته، ترك بصمة لا تُنسى في عالم الموسيقى والمسرح، محتفظًا بصوته حتى آخر لحظاته رغم الألم والخذلان. كان زياد، الذي ودع جماهيره بصمت من خلف الستار، يحمل في أعماقه عاصفة من الجمال وألمًا عميقًا، وكأنه قصيدة محزنة تنبع من وسط الفوضى والذكريات المؤلمة. هذا المقال يستعرض عبقرية زياد رحباني وتأملاته التي انعكست في موسيقاه وأعماله الفنية.

رحلة زياد رحباني الفنية: بين العبقرية والتأمل في الذات

زياد رحباني كان بحق أحد الأعمدة الرئيسية في أسرة الرحابنة، حيث لم يكن فقط شاعراً وموسيقياً، بل كان مسرحياً وممثلاً وكاتباً فذاً بكل المقاييس؛ فقد كان محدثاً في جميع فنونه، يدمج بين الجينات الفنية التي ورثها عن عائلته وبين روح التمرد التي حملها في داخله. رغم النجاح المتواصل، عانى زياد من شعور داخلي بالفشل، ما جعله يبتعد عن محيط الفن التقليدي ويختار أن يكون صوتًا للفقير والمقهور، مبتعدًا عن المألوف والسائد، ليعزف على نغمة الجاز بحرية كعازفي لويس أرمسترونغ على بيانو سريع النغم، ناشد به صدى وطنه قائلاً: «عودك رنان».

الشاعر المتمرد: كيف عكس زياد رحباني تجاربه الشخصية في موسيقاه

عبر عقود، وظل زياد رحباني داخل وخارج الدائرة الفنية اللبنانية، لم يغفل السخرية التي لطالما مارسها على نفسه، وخاصة من قامته الصغيرة، مستعينًا بصورة شارلي شابلن، بل وحوّل تجاربه الشخصية كالزواج الفاشل إلى مادة للسخرية الذاتية، دون أن يعلم أحد عمق بؤسه الداخلي. عاش في غربة قاسية لا يربطه شيء، حيث كان انتماؤه إلى الحزب الشيوعي مجرد تعبير عن عبثيته ولا انتمائه لأي طيف سياسي؛ وهذا ما تجسد في مسرحيته الشهيرة «بالنسبة لبكرا شو»، التي ناقشت انحلال المجتمع أخلاقيًا بسبب الحرب والفقر، وتجسيد لكسر العزيمة وعزة النفس اللبنانية المتصدعة.

العبثية والتمرد في أعمال زياد رحباني وتأثيرها في المشهد الفني اللبناني

تميزت أعمال زياد رحباني بعمق العبثية ورفضها لأي استسلام، حيث كان يتحدى الواقع اللبناني بكل ما يحمله من أوجاع ومعاناة، بأسلوب فني متفرد يجمع بين الطرافة والمرارة. وقد نادى في صمت: «وليه، ما بتستحي على حالك وليه؟ مش شايف في نقص بالمواد الأولية؟»، كلماتٌ تعبر عن واقع مجتمعه الذي ينهار داخلياً، لكنه يرفض الاستسلام أو التوقف عن التحدي.

  • زياد رحباني، شاعر موسيقي متجدد وغير تقليدي
  • تمرده على المألوف ورغبته في الغربة والابتعاد
  • مسرحياته التي تتناول العبثية الاجتماعية والسياسية
  • صوته الذي جمع بين السخرية الحادة والحزن العميق

كان زياد رحباني، وأعماله المختلفة من موسيقى ومسرح، انعكاسًا لحالة لبنان التي جمعت بين الألم والتمسك بالحياة. بين نبرات البيانو السريعة وصدى صوته المتمرد، رسم صورة لجذر فني جديد لم يُنسَ، ظلّ يعزف حتى النهاية، محتفظاً بعبقريته وشعره الحزين الذي يصرخ بألم لا ينتهي.