هل يعود ظهور الشخصية الليبية إلى الواجهة من جديد؟ اكتشف الأسباب والتفاصيل

شاعر وناقد وكاتب، عمر الكدي حمل ثقلاً فكرياً وسياسياً كبيراً في ليبيا، وهو أحد الأصوات التي انصهرت في تجربة بلدها العميقة والصعبة التي ترجمها من خلال أشعاره وتجواله بين مناطق الوطن. نشأ تحت ظلال جبال غريان، التي حفرت في ذاكرته مشاهد لمغارات أسهمت في تشكيل هويته، ثم انتقل إلى طرابلس حيث درس في معهد الفنون والصنائع بين معلمين ليبيين وإيطاليين، قبل أن يستكمل دراسته التقنية في بريطانيا ومالطا. تنقل الكدي في ربوع ليبيا ومناطق متعددة، ليحفر بأسئلته مستندات تعبيرية عميقة في الصحافة والشعر، قاطعاً دروب التحديات الفكرية والسياسية التي واجهها خلال حياته.

تحليل الشخصية الليبية في أعمال عمر الكدي الشعرية والفكرية

الشاعر عمر الكدي لم يكتفِ بالكتابة عن ليبيا من منطلقات عاطفية فقط، بل عمد إلى تشريح الشخصية الليبية بكل تعقيداتها عبر أشعاره، ومنها قصيدته الطويلة «بلادُ تحبّها وتزدريك» التي جسد فيها الصراع الداخلي لوطن يعانق محنته. هذا التجسيد الثقافي لم يقتصر على الشعر، بل تجاوزه إلى تأملاته في شخصيات وطنية متنوعة، حيث وصف ليبيا في كتابه «تأملات في الشخصية الليبية» الذي حمل عنواناً يرمز إلى الأسطورة الليبية القديمة «حويتة وخميسة وقرين». عبر هذا الكتاب، يبحر الكدي في مكونات الهوية الوطنية التي تشكلت نتيجة التفاعلات الاجتماعية والسياسية عبر التاريخ، مسلطاً الضوء على ملامح شعب ظل يواجه الفقر والترحال.

دور الشخصية الوطنية وتكوين الهوية الليبية بين التاريخ والبحث الاجتماعي

شهدت ليبيا غياباً شبه تام للشخصية الوطنية في الأبحاث والدراسات الفكرية، حيث غالباً ما طغت موجات القومية العربية على هويتها. إلا أن الرؤية التي أطلقها عبد الحميد البكوش في الستينيات، مصطلح “الشخصية الليبية”، مثلت منعطفاً فكرياً هاما، رغم رد الفعل العنيف من القوميين العرب الذين اعتبروه تهديداً للهوية العربية. يوضح عمر الكدي أن رحلة الأمة الليبية نحو فهم ذاتها تبدأ من استكشاف جذورها بموضوعية نقدية، تتضمن قراءة متعمقة في أسس حياة المجتمع الليبي، من عادات وتقاليد، إلى تقسيم العمل بين الجنسين، مروراً بالتأثير القبلي وانتقالاته السلمية والحربية.

تكوين الهوية الليبية بين الأسطورة والواقع: رؤية عميقة لعمر الكدي

يرى الكدي أن الأسطورة الليبية تجسد في ثلاثة رموز رئيسة: الحويتة، الخميسة، والقرين، والتي تعبّر عن تقسيم السكان تاريخياً بين الساحل والجنوب والوسط، وهي رموز ظلت حاضرة في تشكيل الهوية الاجتماعية والسياسية عبر العصور المختلفة. تظهر هذه الرموز في أسماء المدن والأقاليم، وكذلك في مراحل تطور الدولة الليبية من المملكة إلى الجماهيرية. وعلى هذا الأساس، يرسم الكاتب خريطة تفاعلات بين الحضر والبدو، والمدينة والقرية، معتبراً ليبيا معمل أنطولوجي حيوي يعكس تنوع السكان وتاريخهم، ويكشف كيف أن هذه التركيبة تزرع بذور الهوية الوطنية التي تسقى بالحركة الاجتماعية والنشاط الاقتصادي والصراع السلمي أو العنيف الذي تشهده ليبيا منذ القدم.

  • نشأة عمر الكدي في غريان والحياة في المغارات التي شكلت ذاكرته الثقافية
  • دوره في الصحافة الليبية وتحديات التعبير عن رؤى وطنية وسط أجواء سياسية متوترة
  • تجربته الشخصية في المنفى والعمل الإعلامي في هولندا مع استمرارية كتاباته الشعرية

ولاية ليبيا بين البحر والصحراء، وتاريخها الذي وقع تحت سيطرة إمبراطوريات، جعل من الشخصية الليبية موضوعاً معقداً ذو أبعاد اقتصادية وثقافية واجتماعية عميقة، كما بين عمر الكدي بصيرته التي لامست الجذور والتطور، فكانت الشخصية الليبية حقيقةً متجددة تتشكل على الدوام من تداخل تاريخي ومكاني خاص، ودفعته هذه الرؤية لأن يعلن أن “الليبيون بهذا التكوين أصبحوا ليبيين”.