في ذكرى رحيله.. لماذا يتجنب الفن تجسيد شخصية محمد علي باشا الآن؟

في ذكرى وفاة محمد علي باشا، يظل تقديم شخصية محمد علي باشا في الفن المصري تحديًا حقيقيًا رغم عظمة دوره التاريخي الذي غيّر مسار مصر بشكل جذري، حيث يمتلك محمد علي باشا حضورًا فريدًا في التاريخ لكنه يظل غائبًا إلى حدّ ما عن الأعمال الفنية الكبيرة التي تستحق حجم شخصيته وتأثيره.

محمد علي باشا في المسرح: تجسيد درامي لشخصية استثنائية

شهد المسرح المصري محاولة مهمة في تقديم شخصية محمد علي باشا من خلال مسرحية “رجل القلعة”، التي قدمها الممثل يوسف شعبان بإتقان جذب الجمهور على خشبة المسرح القومي، وهو الأمر الذي أعاد الفنان توفيق عبد الحميد لتجسيد الدور نفسه في إنتاج لاحق، مستعرضًا الكاريزما والقوة التي يكتنزها هذا القائد العظيم؛ ما منح الشخصية بعدًا إنسانيًا ودراميًا يتجاوز التعقيدات السياسية والتاريخية المحيطة به. المسرحية لا تصور محمد علي باشا فقط كحاكم إصلاحي بل تعكس تناقضاته الداخلية ما بين الطموح الشخصي والرغبة في تحديث مصر، إضافة إلى الصراع بين الحكم الصارم والمشروع الوطني، مما يطرح تساؤلات عن سبب فقر تمثيل هذه الشخصية في باقي الوسائط الفنية.

عقبات تقديم شخصية محمد علي باشا في الدراما التلفزيونية والسينمائية

رغم أهمية محمد علي باشا في التاريخ المصري ودوره الحاسم في بناء الدولة الحديثة، فإن تقديمه في الدراما ظل محدودًا، مع وجود مشاريع لم تكتمل أو لم تُعرض بعد، على غرار مشروع الكاتبة لميس جابر التي كتبت سيناريو عن حياته، ومن المتوقع أن يقوم الفنان يحيى الفخراني بدور البطولة. تعود أسباب تأخر عرض هذه الأعمال إلى ضخامة الإنتاج وصعوبة تناول الموضوع بحساسية تتطلب احترام عمق الشخصية التاريخية، أو الرغبة في تقديم عمل فني بعيد عن السطحية يعكس المكانة الكبيرة لمحمد علي باشا.

محمد علي باشا: قائد صنع مصر الحديثة ومصدر الدراما العميقة

محمد علي باشا ليس مجرد مؤسس الدولة الحديثة ولكنه شخصية درامية متكاملة قائمة على فترة مليئة بالأحداث؛ فهو قائد جاء من خارج مصر وتسلق سُلطة الحكم بدهاء وذكاء، خاض معارك وحروب بنى خلالها جيشًا قويًا، أرسل بعثات تعليمية وعلمية، إضافة إلى مواجهته تمردات داخلية حاسمة. هذه الأبعاد تجعل من شخصية محمد علي باشا مادة غنية غير معتادة للسرد الفني؛ فهو يتجاوز التوثيق التاريخي ليصبح شخصية تتسم بالدراما العالمية، مما يوضح الحاجة الملحة لظهوره بشكل أوسع على الشاشة سواء في التلفزيون أو السينما.

التعامل الفني مع شخصية محمد علي باشا يتطلب فهمًا عميقًا لطبيعة قيادته المركبة التي تجمع بين الحسم والحنكة، ما يجعلها موضوعًا يستحق التناول الفني بأدق تفاصيله، خصوصًا مع الإقبال المتزايد على استعادة قصص التاريخ المصري بحلة جديدة، وهو ما يعزز أهمية إعادة النظر في كيفية دمج هذه الشخصية المحورية في المشهد الفني الحالي مع الحفاظ على عمقها وأهميتها التاريخية.