قفزة اليورو الرقمي تعزز استقرار النظام المالي الأوروبي.. هل نقترب من المستقبل المالي الجديد؟

تُعتبر الورقة النقدية الصادرة عن البنك المركزي العمود الفقري للنظام المالي، فهي العملة القانونية الوحيدة التي يتعامل بها معظم الناس بشكل مباشر، رغم تعرضها للتجاعيد أو التمزقات، كما أن هذه الورقة تشكل أساساً مهماً للنقود الخاصة كودائع البنوك وأرصدة التطبيقات المالية مثل “فينمو”، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، وتعتمد قيمتها على إمكانية تحويلها إلى نقود ورقية عند الحاجة. في ظل الانتقال الكامل نحو الخدمات المالية الرقمية، يبرز التساؤل: ما هو الحل الأمثل في هذه المرحلة؟

اليورو الرقمي ودوره في مواكبة التحول الرقمي المالي الأوروبي

يحاول البنك المركزي الأوروبي أن يكون من الأوائل الذين يقدمون حلًا عمليًا لهذا التحدي عبر إطلاق مشروع اليورو الرقمي. يشبه اليورو الرقمي في وظيفته العملة الورقية، فهو صادر عن البنك المركزي ويُمكن تداوله بحرية بين الأفراد دون الحاجة لفحص رصيد، إلا أنه يتفرد بميزة التخزين الإلكتروني على الهواتف الذكية والانتقال الفوري بين المستخدمين، ما يسهل تحويل الأموال من مدينة إلى أخرى في لحظات معدودة. وإذا نال المشروع موافقة البرلمان الأوروبي، فستُنفذ أولى المعاملات باليورو الرقمي قبل نهاية العقد الحالي.

الحاجة إلى اليورو الرقمي في ظل هيمنة النقود الخاصة والتحولات السريعة

يثير هذا المشروع تساؤلات منطقية حول ضرورة اليورو الرقمي، خاصة وأن الأوروبيين بالفعل يستطيعون إرسال الأموال البنكية خلال ثوان، ويستخدمون بطاقات “فيزا” و”ماستركارد” في أغلب مشترياتهم. وفي 2024، استحوذت هذه البطاقات على نحو 45% من عمليات الشراء عند نقاط البيع، بينما تقلصت حصة النقد الورقي إلى 39%، مقارنةً بـ54% في 2016، بسبب قلة الشركات التي تقبل النقود التقليدية.

لكن الاعتماد الكامل على النقود الخاصة يحمل مخاطر جمة، فودائع البنوك تبقى التزامات على مؤسسات قد تتعرض للأزمات، كما حدث مع انهيار “سيليكون فالي بنك” عام 2023 وأزمات البنوك اليونانية قبل ذلك. كما أن الاعتماد على مزودي خدمات أمريكيين مثل “فيزا” و”ماستركارد” قد يعرض المستخدمين لمخاطر سياسية وقانونية، وإذا واجه الناس صعوبة بالوصول إلى النقود الرقمية الخاصة أو النقود الرسمية، فقد ينخفض مستوى الثقة بالعملة نفسها. وأخطر من ذلك، في حال انتشر استخدام العملات المستقرة المقومة بالدولار، قد يفقد البنك المركزي الأوروبي سيطرته على السياسة النقدية في منطقة اليورو.

العملة الرقمية كوسيلة لتعزيز الاستقرار المالي والثقة داخل منطقة اليورو

وجود عملة رقمية صادرة عن البنك المركزي، قابلة للتحويل إلى النقود الخاصة، يضيف بُعداً من الاستقرار للنظام المالي، حتى لو لم تنتشر استخدامها على نطاق واسع. ومن المزايا المتوقعة تسهيل تحويلات الطوارئ إلى المتضررين في أوقات الأزمات، مثل جائحة كوفيد-19، كما يمكن أن تساعد هذه العملة الرقمية، إذا ارتبطت بعملات رقمية أخرى للبنوك المركزية، في تقليل تعقيدات وتكاليف المدفوعات الدولية.

مع ذلك، لا يخلو الأمر من مخاطر محتملة، فقد تؤدي شعبية العملة الرقمية إلى تهديد استقرار البنوك التجارية أو منح الحكومات قدرة مفرطة على مراقبة المعاملات المالية، إلا أن الإجراءات المقترحة للمشروع تهدف إلى التخفيف من هذه المخاوف؛ إذ سيوجد حد أقصى للأرصدة الرقمية لكل فرد، ولن تحقق هذه العملة فوائد، وسيتم توفيرها عبر البنوك ومزودي خدمات آخرين مع تقوية معايير حماية الخصوصية لتفوق تلك الموجودة حالياً في التطبيقات المالية. كما أن العمليات التي تتم دون اتصال بالإنترنت ستوفر درجة خصوصية قريبة جداً من التعامل بالنقد الورقي.

يبقى التحدي الأكبر هو إيجاد التوازن المناسب بين انتشار اليورو الرقمي بشكل واسع كالعملة الورقية، وعدم استيلائه على دور النقود الخاصة، مما يتطلب جهودًا حثيثة لكسب ثقة المستخدمين. رغم صعوبة ضبط هذه التفاصيل، سيظل امتلاك عملة رقمية رسمية متاحة أمرًا أفضل من الانكشاف لاحتياج مستقبلية لا يمكن تلبيتها.