
شهدت الجزائر العاصمة وولاية غرداية مؤخرًا فعاليات متميزة ناقشت دور الذكاء الاصطناعي في حماية التراث الثقافي واستدامته، حيث ركز الخبراء المشاركون على أهمية هذه التكنولوجيا المتقدمة في تعزيز الحفظ المتحفي وصيانة الموروث الثقافي المادي واللامادي، وأشاروا إلى إمكانياتها العظيمة في تسريع عمليات الاستكشاف والترميم، وضمان توثيق هذا التراث ونقله إلى الأجيال القادمة.
الذكاء الاصطناعي ودوره في حفظ التراث الثقافي
شهد المتحف العمومي الوطني للآثار القديمة في الجزائر العاصمة يومًا دراسيًا تحت شعار “التراث الثقافي في عهد الذكاء الاصطناعي” بمناسبة إحياء شهر التراث، حيث أبرز البروفيسور الهادي أوراغ أن الذكاء الاصطناعي يعدّ أداة فعالة لتثمين التراث الثقافي الوطني، كما يساعد في تسريع أنظمة الحماية وتنظيم وجمع البيانات بدقة عالية، ومن أبرز مميزاته هو تمكين الباحثين من تحديد الأضرار التي لحقت بالتحف ومعاينة المواقع الأثرية الجديدة.
وبفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل تكنولوجيا “إيدار” التي تعتمد على أشعة الليزر وتقنيات التصوير ثلاثي الأبعاد كـ”الفوتوغرامترية”، تتحقق معاينات دقيقة تدعم عمليات الترميم بطرق غير مسبوقة، مما يوفر حماية فعّالة ويعزز من نظم التوثيق والترميم الرقمي.
تقنيات الذكاء الاصطناعي في المتاحف الجزائرية
استعرضت مكتبية متحف الآثار القديمة، كريمة بلهاشمي، دور تقنية “رافيدي” التي تعتمد على موجات الراديو للتعرف على التحف والمقتنيات المتحفية بشكل دقيق، مضيفة أن هذه التقنية قيد الاستخدام في الجزائر لعدة سنوات في مجال المكتبات رغم تكاليفها الباهظة، كما أوضحت نورة بوحميدين تجربة المتحف العمومي الوطني للفنون والتقاليد الشعبية في تصوير التحف عبر الفوتوغرامتري لإثراء البحث العلمي وتقديم عروض رقمية مميزة دون إلحاق الضرر بالتحف الأصلية.
كما أشار خبراء ترميم في متحف الآثار القديمة مثل سامي حسانين إلى الاستخدامات الحديثة للذكاء الاصطناعي في عمليات الصيانة، خاصة الترميم الافتراضي والمراقبة الذكية، ما يجعل الذكاء الاصطناعي شريكًا استراتيجيًا للمرممين لتحديد إشكالات التلف وتحليل المواد بدقة.
أهمية دعم التراث الثقافي باستخدام الذكاء الاصطناعي
في ولاية غرداية، أوصى المشاركون في يوم دراسي بضرورة اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي لضمان استدامة التراث الثقافي والحفاظ عليه، كما دعوا إلى إنشاء ورشات افتراضية للتدريب على تقنيات الرقمنة وصيانتها، إلى جانب اقتراح إنشاء مركز وطني لأرشفة التراث الثقافي اللامادي مثل المخطوطات والشعر الملحون، مع تعزيز قاعدة بيانات رقمية تتيح تسجيل وإدارة كافة الموروثات الثقافية في الجزائر.
كما أبرزت ليلى بوعزة، مديرة المتحف الوطني ببوسعادة، أهمية إنشاء متاحف افتراضية باستخدام الذكاء الاصطناعي لتعريف الجيل الناشئ بالتراث المادي كالتحف والآثار عبر التصاميم الرقمية والعروض المرئية، فيما شدد الأستاذ سرقمة عاشور من جامعة قاصدي مرباح بورقلة على ضرورة حماية المخطوطات وموروثات المكتبات الخاصة من المخاطر المرتبطة بالإهمال ونقص توثيقها الرقمي.
يمثل الذكاء الاصطناعي في الوقت الحاضر أداة استراتيجية ومحورية لتحقيق نهضة نوعية في حماية التراث الثقافي الجزائري، فهو الحل الأمثل لضمان بقائه محفوظًا للأجيال القادمة وتقديمه للعالم بوجهه الحقيقي.