تحول واضح اليوم.. كيف يُغير عصر المحاكاة من ثقافتنا ويُهدد أصالتها

في عالم السوشيال ميديا، أصبح تأثير انتشار الفيديوهات والبوستات الفيروسية يشكل تحديًا كبيرًا للهوية الفردية والجمعية، حيث تغدو الهوية مجرد نسخ مكررة تفتقد للأصالة والخصوصية، وهذا هو جوهر مشكلة تشيؤ الذات في ظل ثقافة “الفيديو والبوست” المنتشرة بشكل واسع.

تأثير انتشار الفيديوهات والبوستات الفيروسية على تشيؤ الذات

تسارع انتشار الفيديوهات والبوستات الفيروسية عبر منصات التواصل الاجتماعي يؤدى إلى تحوّل جذري في طريقة تعبير الأفراد عن أنفسهم، حيث يصبح التعبير الفردي ممثلاً بنسخ مكررة تفتقر للخصوصية والعمق الشخصي، وهذا ما نشير إليه بتشيؤ الذات؛ إذ لا يقتصر الأمر على التفاعل العابر بل يمتد إلى توحيد الأذواق وتحويل الأفراد إلى نماذج مسطحة لا تختلف عن بعضها، مما يؤدي إلى فقدان أصالة التجربة الإنسانية. هذه الظاهرة ليست مجرد تأثيرات تقنية بل انعكاس حقيقي لآليات العولمة الرقمية التي تفرض محاكاة سطحية وتجريد الثقافة من أصالتها.

كيف تسهم الثقافة الرقمية في فقدان الخصوصية الثقافية والهوية الحقيقية

تنعكس آثار انتشار الفيديوهات والبوستات الفيروسية في تلاشي التعبير الأصلي لصالح الترديد الجماعي؛ حيث يصبح من الشائع سماع نفس العبارات أو بعض المقولات العاطفية “الملهمة” تتكرر بين أفراد من طبقات اجتماعية وثقافية مختلفة دون أي تعديل، ما يعكس بوضوح ظاهرة الاستلاب اللغوي والفكري. من منظور علم النفس الاجتماعي، تتحول العملية من تقديم ذات حقيقي إلى أداء رقمي ممثل يُقتبس من نماذج جاهزة، وهذا يؤدي إلى تعميق الشعور بفقدان الخصوصية الفردية، فتتحول تلك الهوية إلى ما يسميه البعض بـ”هوية البوست”، أي هوية مبسطة للغاية وفاقدة للسياق، تُستهلك بسهولة لكنها تخلو من العمق.

دور وسائل التواصل في توحيد الهابيتوس وانتشار ترندات الفيديوهات والبوستات

في الماضي، كانت الاختلافات الثقافية والاجتماعية تُبرزها الأذواق الفنية والسلع الاستهلاكية، حيث عبّرت عن “الهابيتوس” الخاص بكل فئة مجتمعية كما أشار عالم الاجتماع بيير بورديو، ولكن انتشار الفيديوهات والبوستات الفيروسية أدى إلى توحيد هذه الهابيتوس، إذ يستمتع الجميع بنفس الترندات عبر مناطق اجتماعية وثقافية متباينة، فتفقد الطبقات فرص التمييز الثقافي، ويسود التسطيح الثقافي الشامل. تلعب خوارزميات وسائل التواصل دورًا كبيرًا في تعزيز المحتوى الأكثر انتشارًا، مما يحول الثقافة إلى سلعة مطابقة يمكن إعادة إنتاجها ونقلها بسهولة، بدون مراعاة للتنوع أو الجوهر المحلي. تتفق هذه الحالة مع رؤية الفيلسوف جان بودريار الذي بيّن أننا نعيش في عالم من المحاكاة التي لا تنطوي على أصل حقيقي، فتتحول الفيديوهات والبوستات إلى نسخ من نسخ بلا مرجعية مستقرة، مما يخلق واقعًا زائفًا يفتقد إلى العمق والتميّز.

العامل التأثير
انتشار الفيديوهات والبوستات فقدان التعبير الفردي وتحول الهوية إلى نسخ مكررة
خوارزميات التواصل الاجتماعي تعزيز المحتوى الأكثر انتشارًا وتوحيد الأذواق
العولمة الرقمية محو الخصوصية الثقافية وتحويل الثقافة إلى سلعة
الاستلاب اللغوي والفكري التكرار الببغائي وتلاشي الأصالة

في النهاية، أسهمت انتشار الفيديوهات والبوستات الفيروسية في خلق هوية إلكترونية مبسطة وعامة تفتقر لأي تفرّد أو خصوصية، لتحل محل التنوع الثقافي والاجتماعي، مما يعزز من التوحد الرقمي ويحولنا إلى نسخ مشوهة بعيدة عن ذواتنا الحقيقية، ضمن بيئة تحكمها آليات محاكاة لا أصل لها.